لا تضطر لوعود .. قد لا تستطيع تنفيذها
انتبه أن يستثيرك الآخرون ..
ويحرجونك فتضطر لوعود .. قد لا تستطيع تنفيذها ..
انتقل معي إن شئت إلى المدينة ..
وانظر إلى رسول الله عليه السلام وقد جلس في مجلسه المبارك ..
بعدما انتشر الدين .. ووُحِّد رب العالمين ..
جعل رؤساء القبائل يأتون إليه مذعنين مؤمنين ..
ومنهم من كانوا يأتون صاغرين حاقدين ..
وفي يوم أقبل رئيس من رؤساء العرب ..
له في قومه ملك ومنعه
أقبل عامر بن الطفيل ..
وكان قومه يقولون له لما رأوا انتشار الإسلام :
يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم ..
وكان متكبراً متغطرساً ..
فكان يقول لهم : والله لقد كنت أقسمت ألا أموت
حتى تملِّكني العرب عليهم وتتبعَ عقبي ..
فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش !!
ثم لما رأى تمكن الإسلام ..
وانصياع الناس لرسول الله عليه الصلاة والسلام ..
ركب ناقته مع بعض أصحابه ومضى إلى رسول الله
..
دخل المسجد على رسول الله عليه السلام وهو بين أصحابه الكرام ..
فلما وقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام قال :
يا محمد خالني .. أي قف معي على انفراد ..
وكان عليه السلام حذراً من أمثال هؤلاء ..
فقال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده ..
فقال : يا محمد خالني ..
فأبى النبي عليه السلام .. فلا زال يكرر ..
يا محمد قم معي أكلمْك .. يا محمد قم معي أكلمْك ..
حتى قام معه رسول الله عليه السلام ..
فاجتر عامر إليه أحد أصحابه اسمه إربد ..
وقال : إني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاضربه بالسيف ..
فجعل إربد يده على سيفه واستعد ..
فانفرد الاثنان إلى الجدار ..
ووقف معهما رسول الله عليه السلام يكلم عامراً ..
وقبض أربد بيده على السيف ..
فكلما أراد أن يسله يبست يده ..
فلم يستطع سل السيف ..
وجعل عامر يشاغل رسول الله عليه السلام ..
وينظر إلى إربد .. وإربد جامد لا يتحرك ..
فالتفت عليه السلام فرأى أربد وما يصنع ..
فقال : يا عامر بن الطفيل .. أسلم ..
فقال عامر : يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت ؟
فقال عليه السلام لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ..
قال عامر : أتجعل لي الملك من بعدك إن أسلمت ?
لم يشأ النبي عليه السلام أن يعد عامراً بوعد قد لا يتحقق ..
فكان صريحاً جريئاً معه ..
وقال : ليس ذلك لك ولا لقومك ..
فخفف عامر الطلب قليلاً ..
وقال : أسلم على أن لي الوبر ولك المدر ..
أي أكون ملكاً على البادية وأنت على الحاضرة ..
فإذا به عليه الصلاة والسلام..
أيضاً لا يريد أن يلزم نفسه بوعود ..
لا يدري تتحقق أم لا .. فقال : لا
عندها غضب عامر وتغير وجهه ..
وصاح بأعلى صوته :
والله يا محمد .. لأملأنها عليك خيلاً جرداً .. ورجالاً مرداً ..
ولأربطن بكل نخلة فرساً ..
ولأغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء ..
ثم خرج يزبد ويرعد
فجعل عليه السلام ينظر إليه وهو مولٍّ ..
ثم رفع بصره إلى السماء وقال :
اللهم اكفني عامراً .. واهْدِ قومه ..
خرج عامر مع أصحابه حتى إذا فارق المدينة ..
تعب من المسير ..
فصادف امرأة من قومه يقال لها سلولية وكانت في خيمة لها ..
وكانت امرأة فاجرة .. يذمها الناس ويتهمون من دخل بيتها ..
فلم يجد مأوى آخر ..
فنزل عن فرسه مضطراً ونام في بيتها ..
فاخذته غدة وانتفاخ في حلقه كما يظهر في أعناق الإبل فيقتلُها ..
ففزع واضطرب ..
وجعل يتلمس الورم ويقول :
غدة كغدة البعير .. وموت في بيت سلولية ..
أي : لا موت يشرّف .. ولا مكان يشرّف ..
كان يتمنى أن يموت في ساحة قتال ..
بسيوف الأبطال ..
فإذا به يموت بمرض حيوانات ..
في بيت فاجرة !!
تباً .. للذل والمهانة ..
فأخذ يصيح بهم : قربوا فرسي ..
فقربوه .. فوثب على فرسه .. وأخذ رمحه ..
وصار يجول به الفرس ..
وهو يصيح من شدة الألم ..
ويتحسس عنقه بيده ويقول :
غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ..
فلم تزل تلك حاله يدور به فرسه ..
حتى سقط عن فرسه ميتاً ..
تركه أصحابه .. ورجعوا إلى قومهم ..
فلما دخلوا ديارهم ..
أقبل الناس إلى إربد يسألونه : ما وراءك يا أربد ؟
فقال : لا شيء ..
والله لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء ..
لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله ..
فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له ليبيعه ..
فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما ..
وأنزل الله عز وجل في حال عامر وأربد
" اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ *
سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ *
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ *
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ *
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ
فِي ضَلاَلٍ " ..
نعم .. لا تلتزم إلا بما تثق أنه يمكنك الوفاء به .. بعون الله ..
مع التأكيد على أهمية عدم الالتزام بالشيء إلا وأنت قادر عليه ..
إلا أنه ينبغي عند الاعتذار أن نستعمل أسلوباً ذكياً ..
فمثلاً : جاء إليك لتبحث لأخيه عن وظيفة ..
لأن أباك مسئول كبير .. أو أخاك .. أو أنت ..
فاعتذر بأسلوب يحفظ ماء وجهه
ويجعله يشعر أنك تشاركه الهم ..
قل – مثلاً - :
يا فلان .. أنا أشعر بمعاناتك .. وأخوك أعتبره أخي ..
ولئن كان إخواني خمسة فهو السادس ..
لكن المشكلة أنني لا أستطيع أن أفعل شيئاً الآن .. فاعذرني ..
وأسأل الله أن يوفق أخاك ..
مع ابتسامة لطيفة .. وتعبيرات وجه مناسبة ..
فكأنك بهذا الرد الجميل قضيت له ما يريد ..
أليس كذلك ..؟
__________
د. محمد العريفي