[b]من تباح خطبتها:
إذا كانت الخطبة وسيلة إلى الزواج فيجب ألا تكون المرأة المراد خطبتها محرماً عليه زواجها، لأن الغاية إذا كانت حراماً كانت الوسيلة كذلك والاشتغال بها عبث لا فائدة فيه.
من أجل ذلك قرر الفقهاء أنه لا تجوز خطبة امرأة محرمة عليه تحريماً مؤبداً بسبب النسب أو الرضاع أو المصاهرة، كأخته من النسب أو الرضاع وزوجة الأب أو الأبن وأم الزوجة أو بنتها وسائر المحرمات على التأبيد.
وقد وضع الفقهاء قاعدة لمن تجوز خطبتها فقالوا: إن من يجوز الزواج بها في الحال تجوز خطبتها.
فالمعتدة من طلاق رجعي لا تجوز خطبتها بالاتفاق، لأن زوجيتها لا تزال قائمة، وحق الزواج في مراجعتها قائم، فله مراجعتها في أي وقت قبل انتهاء عدتها رضيت أم كرهت، فتكون كالزوجة من كل الوجوه فتحرم خطبتها بأي شكل تصريحاً كانت أو تعريضاً، لما في ذلك من إيذاء لزوجها أو إثارة للنزاع بينه وبين من خطبها، ولا يجوز ذلك حتى ولو أذن الزوج في تلك الخطبة لأن حق الشارع في المنع قائم فلا يجوز إهداره.
أما المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى:
فذهب الحنفية: إلى أنه لا تجوز خطبتها، لا تصريحاً ولا تعريضاً لأن الطلاق البائن إن قطع رباط الزوجية إلا أن بعض آثاره باقية، وهذا كافٍ في منع خطبتها لئلا يؤدي ذلك إلى إثارة النزاع بين مطلقها وبين من خطبها.
ومن ناحية أخرى: إن إباحة خطبتها قد يحملها على ارتكاب محظور إذا رغبت في زواج من خطبها- فتقر بانقضاء عدتها في مدة زاعمة أنها حاضت فيها ثلاث حيضات، وتصدق في ذلك الأقرار، لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتها وليس لأحد سلطان عليها، بخلاف المتوفى عنها زوجها فان جواز التعريض في حقها لا يؤدي إلى هذا المحظور حيث تعتد بوضع الحمل إن كانت حاملا أو بأربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملاً.
وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا يجوز خطبتها تصريحاً مراعاة لجانب الزوج المطلق، لأنها معتدة منه، وقد يثور النزاع بينه وبين من خطبها، وجوزوا خطبتها بطريق التعريض لانقطاع الزوجية بالطلاق البائن وهو كاف في جواز التعريض الذي لا يثير النزاع بينه وبين مطلقها.
أما المعتدة عن وفاة زوجها فقد اتفقت كلمة الفقهاء فيها على أنه لا تجوز خطبتها تصريحاً وتجوز خطبتها بطريق التعريض.
يدل لذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 234 -235].
فهذا النص الكريم يبين عدة المتوفى عنها زوجها، والأحكام المتصلة بها، ورفع الجناح عن التعريض بخطبتها في العدة، ونهى عن المواعدة بالنكاح ولكن لا تواعدوهن سراً وهو الخطبة الصريحة، ثم نهى عن العقد عليها حتى تنتهي عدتها، والمراد بالنساء هن المتوفى عنهن أزواجهن بدليل سياق الكلام فيقتصر الاستثناء على موضعه.
والسر في إباحة التعريض: أن الزوجية قد انقطعت بالوفاة، ولا أمل في عودتهما فليس هنا زوج يتضرر من هذا التعريض، وقد يكون في ذلك عزاء لهذه المرأة التي فقدت عائلها، فلا ينقطع أملها في الحياة الكريمة في ظل زوج كريم.
وأما منع التصريح فمراعاة لجانب المرأة من ناحية أخرى، وهو إحدادها على زوجها، فلو أبيح التصريح لحمل المرأة على التزين وترك الإحداد. على أن الزوج لا يعدم أن يكون له أقارب يلحقهم الأذى بهذا التصريح.
أثر تلك الخطبة المحرمة:
عرفنا أن الفقهاء متفقون على تحريم الخطبة في الحالات السابقة لعدم توفر شرط صحتها. وهو كون المرأة ممن تحل له عندها.
فإذا فرض وأقدم شخص على خطبة واحدة منهن كان مرتكباً أمراً محرماً يعاقب عليه في الآخرة، ولو عقد عليها في العدة كان العقد باطلا. أما إذا عقد عليها بعد انتهاء عدتها بناء على الخطبة السابقة كان العقد صحيحاً وتترتب عليه آثاره على الأصح عند الجمهور.