السلام عليكم
ما قبل الزواج
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى، وأن عليه النشأة الأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاءت شريعته حاثة على كل خير، مستجيبة لنداء الفطرة، معالجة لنوازع البشر ورغباتهم، وهو القائل: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة".
اللهم صل وسلم عليه، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
عباد الله: والحديث عن الزواج حديث تدعو الحاجة إليه عموماً، وفي هذه الأيام على الخصوص، وفيه عدة تنبيهات يحسن الإشارة إليها، وفي الحديث عن الزواج مشاركة لهموم قطاع كبير من الشباب والفتيات، فضلاً عن الكبار من الرجال والعانسات من النساء.
وسأقصر الحديث في هذه الخطبة على (ما قبل الزواج)، فماذا يدور في مخيلة الشباب حين يفكر في الزواج، لماذا يتزوج؟ وبمن يتزوج؟ هل يتزوج لغرض واحد، أم في ذهنه للزواج عدة أغراض، ويفهم للزواج عدة حكم وأهداف، ماذا يخيفه من الزواج؟ وما الشبح الذي يطارها؟ وقد يقعد به عن الزواج.
والفتاة – هي الأخرى – لماذا تتزوج، وما الزوج المفضل لها؟ ولماذا ترفض الزواج – أحياناً – وما المؤثرات التي تؤثر عليها في تأخير الزواج؟ وما أثر هذا التأخير على حياتها ومستقبلها؟ وماذا يقال عن عزوبة الرجال وعنوسة النساء؟
أما المجتمع – سواء كان مجتمع الزوجين القريبين – أو المجتمع الكبير بأسره، فيسأل: ما سبل تيسيره للزواج؟ وما المعوقات والعوائد الاجتماعية التي تثقل بها كاهل الزوجين – من حيث يشعر أو لا يشعر، ويكون بها سبباً لتأخير الزواج.
وفئة رابعة يحسن الحديث عنها وعن أثرها على الزواج، وعلى دورها في ترسيخ مفاهيم خاطئة عن العلاقة بين الجنسين، ومشروعية الزواج وما ينبغي أن يكون لها أو لبعضها من أثر في تيسير الزواج، ونشر المفاهيم الصحيحة لعلاقة الزوجين، والأهداف المشروعة من وراء عقد الزواج، إلى غير ذلك من نشر الوعي وصد الهجمات المعادية.
أيها الشباب المسلم: والمفترض أنك حين تهم بالزواج، وفي ذهنك عدة أغراض، وتريد أن تحقق أكثر من هدف للزواج، فإحصان فرجك عن الحرام طريقه الزواج المشروع: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ). فلا النظرة المحرمة، ولا العادة السرية، ولا الارتماء في أحضان الساقطات… يحقق لك أهداف الزواج.
وتحقيق سنة الأنبياء عليهم السلام – في الزواج – وإكمال الدين هدف ينبغي ألا يغيب عن ذهنك، وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة). وتكثير نسل المسلمين، والسعي لإيجاد ذرية صالحة تعتز بها وتسعد في حياتك، وينفعك الله بها والمسلمين بعد مماتك… هدف جليل ينبغي أن تضعه نصب عيامي، وتسعى في سبيله لاختيار الولود الودود من النساء، ومحمد صلى الله عليه وسلم يوصيك بهذا ويقول: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".
ومن أهداف الزواج التي يباركها الإسلام، ترابط الأسرة، وتقوية أواصر المحبة بين الزوجين، وتنمية غريزة الأبوة والأمومة، ومزيد الشعور بحق الوالدين من خلال محبة الأطفال ورعايتهم، والشعور بمسؤولية الزواج وما يدفعه إلى العمل وبذل الأسباب في سبيل الاستغناء وإغناء من يعولهم، كل ذلك كإيجابيات وواجبات حث الإسلام عليها.
وكل ذلك لا ينافي الاستمتاع بما أحل الله من ملاذ الدنيا، وقضاء الوطر حسب ما شرع الله: "فالدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" رواه مسلم.
وحين تكون هذه الأهداف حاضرة في ذهنك، فإني أنصحك أخي الشاب أن تختار لنطفتك فالعرق دساس، وألا يكون الجمال وحده مؤشر الاختيار عندك، فكم من حسناء تنبث في منابت السوء، فإياك وخضراء الدمن، وإذا كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قد حدد الأغراض التي تنكح لها المرأة غالباً، فقد قال في النهاية موصياً: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
وحري بك أن تختار زوجتك من بيئة كريمة، معروفة باعتدال المزاج وهدوء الأعصاب، والبعد عن الانحرافات الخلقية والنفسية فإنه أجد أن تكون هذه المرأة جانية على ولدها، راعية لحق زوجها ، قال عليه الصلاة والسلام: "خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج ذات يده" متفق عليه.
أيها الشاب: ونذكرك ألا تكون الشهوة الجنسية – هدفك الأول والأخير – مع حلها لك – كي تبلغ الكمال في رجولتك، وتعدد أغراض الزواج في حاضرك ومستقبلك، لنفسك ولزوجك ولأولادك وللمجتمع من حولك، وإياك أن تسرف في الشروط والموصفات، أو أن تخشى الفقر من زواجك وأولادك، فتلك معوقات وهمية فاحذرها، وإن طاردك شبح غلاء المهور، فعسى أن يجعل الله لك مخرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب، والزم أمر الله: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، وتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" متفق عليه.