السؤال الذي يطرح نفسه إزاء كل علاقة صداقة بين شاب وفتاة: هل يمكن أن تتحول الصداقة إلى حب... والسؤال يطرح نفسه بشكل عكسي أيضا: هل يمكن أن يتحول الحب إلى صداقة... وكيف... وتحت أية ظروف وبدافع من أية مشاعر؟!
الاشتهاء الجنسي
يمكن القول بداية إن هناك الكثير من الصفات المشتركة بين الصداقة والحب وقد تحدثنا عنها في مقالتنا السابقة... ولعل العامل الأبرز الذي يميز علاقة الحب عن علاقة الصداقة، هي حالة الاشتهاء الجنسي.
فالحب في أقصى درجاته رومانسية، ينطوي دون شك على حالة انجذاب جنسي بين الشريكين... وبالتالي حالة اشتهاء، وهذا الاشتهاء الجنسي يعمق المشاعر الرومانسية ولا يلغيها... وخصوصا حين تتوج برباط الزواج... أو حين يكلل هذا الزواج بالنجاح في جوانبه المعيشية الأخرى!
أما الصداقة، فإنها درجة من درجات الحب لكن من دون جنس... فهي في الغالب تنحو منحى أخوياً... وبالتالي حين نكتشف أن هناك حالة اشتهاء جنسي بين الأصدقاء، أو في لاوعي أحدهما تجاه الآخر، فإن هذه الصداقة تسير في دروب آخر مختلف... هو درب الحب!
الصداقة تغدو حبا!!
وقد يحدث هذا التطور الذي يدفع علاقة الصداقة باتجاه الحب الكامل، بدافع من ظروف عدة... لعلها أبرزها حالة الفراغ العاطفي التي يعيشها الصديق أو الصديقة... وبالتالي يجد في علاقة الصداقة بداية حالة ارتياح تنطوي على كم كبير من التآلف والانسجام... ثم يتحول هذا الارتياح إلى اقتراح عاطفي بإمكانية أن يكون هذا الصديق هو من يملأ حالة الفراغ العاطفي التي نعيشها... وبالتالي يأخذ هذا الاقتراح شكلاًً آخر قائم على رسم صورته كحبيب، مرشح باستمرار لمزيد من حالة التعلق العاطفي والرومانسي ومن ثم الجنسي لاحقا!
ومن العوامل الأخرى التي تسهم في تحول الصداقة إلى حب... حالة الاكتشاف التي تفاجئنا بغتة... حين نكتشف أن الصفات التي كنا نبحث عنها في الحبيب موجودة في الصديق.
وقد تحدث حالة الاكتشاف هذه بعد صدمة عاطفية في العلاقة مع الحبيب تنتهي بالفشل أو الفراق... حينها قد نكتشف بالصدفة أن الصديق الذي نبوح له، أو الذي يكفكف دموعنا، ويضمد جراحنا بدافع من روابط علاقة الصداقة... هو الحبيب الذي نحتاجه... فيبدأ العقل الباطن بتحليل مزايا ومناقب هذا الصديق أو الصديقة، واكتشاف عناصرها الجوهرية... التي تجعلنا ننظر لكل هذه المزايا من منظور الإعجاب العاطفي الذي لم نكن نحسه من قبل ولم نكن قد اكتشفناه أيضا... وبالتالي نشعر أننا كنا نبحث عن الشريك وهو أمامنا دون أن نراه... أو كما تقول ليلى مراد في اسكتش الحبيب المجهول مع أنور وجدي:
عمالي أدور عليك وأتاريك هنا جنبي
ما فاضلش غير نظرة واحدة أفتح لك قلبي!
ممكن نكون أصدقاء فقط؟!
وأما تحول الحب إلى صداقة... فهو أمر يعتقد المراهقون أو الذين اكتووا بنيران الفشل العاطفي في أول علاقة حب... أنه أمر غير ممكن... إذ يرون أنه لا يمكن للحب أن يتحول إلى صداقة... وأن الحب إن لم يبقى حباً فمصيره الموت في أحسن الأحوال.
لكن واقع الحال يقول... أن الحب يمكن أن يتحول إلى صداقة في حالة النضج العاطفي لأطرافه... وهذه الحالة محكومة بسن معين وبتجارب معين وربما ثقافة معينة قوامها: التسامح والديمقراطية... أي التسامح مع أخطاء الحبيب، واحترام مشاعره حين تبرد تجاهنا فلا يغدو الحب حبا بالنسبة له، ولا الحبيب المنشود الذي يتمناه!
وقد يحدث هذا الأمر بسبب حالة اندفاع عاطفي تحت ظرف معين، الأمر الذي يؤسس لعلاقة حب وهمية لا تنكشف حقيقتها إلا بعد زمن، وتجارب واختبارات!
وفي هذه الحال يصبح التراجع عن الخطأ أفضل من الاستمرار فيه... لكن قد لا يتفهم الطرف المتضرر ذلك... فيرفض عبارة: (ممكن نكون أصدقاء فقط) وخصوصا إذا كان في مرحلة المراهقة، أو التجارب العاطفية الأولى التي لم تعرف اختبارات نضج الحياة بعد!
طبعا يجب أن ننوه بالمقابل أن الحب لا يمكن أن يتحول إلى صداقة، إذا كانت هناك حالة خداع، أو ابتزاز للمشاعر، أو غدر بالحبيب بأي شكل من الأشكال... إن الشخص المجروح لا يقبل أن يتحول الحبيب الذي جرحه إلى صديق، لأن هذا الأمر يستفز مشاعره، ويهيج شجونه، وربما يوقظ ذاكرة الألم في نظرته للحبيب الذي كان... وبالتالي يعجز عن القبول به كصديق في موقعه الجديد!!
إن الحب يمكن أن يتحول إلى صداقة، إذا كان الانسحاب من موقع الحبيب إلى موقع الصديق قائم على مبدأ حسن النية، واحترام المشاعر الحقيقية... لا التلاعب والمراوغة... وفي حالة النضج المثلى، يمكن أن يتحول الزوجين اللذين أحبا بعضهما وتزوجا وأنجبا ثم انفصلا... إلى أصدقاء، بمعنى الصداقة الاجتماعية العامة... فلا يرمي أحدهما الآخر بأبشع النعوت والصفات، ولا يقيما علاقة عدوانية قوامها إعلان الحرب على كل الجبهات... بل تظل تربطهما علاقة حسنة، تعترف بقيم الحب الذي كان... وتحترم الأسباب التي أدت إلى نهاية الحب وافتراق الأحباب!
اعجبتنى فنقلتها لكم