تتدلى من الأعلى أغصان شجرة الأحاسيس ، ثمرة جميلة المظهر، مختلفة الطعم، نشترك فيها جميعاً ، تتخذ الحب كاسم لها و الحب هو أعظم إحساس لكنه يختلف باختلاف قلوب المحبين و ماهية المحبوب ، فإن كان المحبوب شخصا فالحب هنا مكتسب و مخصوص بمحب بعينه و يبدأ بالنظرة التي تولد الشعور . تكرار الشعور يعطي إحساساً والذي يتحول إلى عاطفة تتبلور حباً يسمو ليصبح عشقاً فغراما فهوىً و هياماً ، و لما يكون المحبوب ثوابت فإنه يِعنى بكل القلوب المنتمية لهذه الثوابت ، لكن درجته تختلف و تتفاوت برغم تساوي المسافات و هكذا كان حب المناصرين الجزائريين الذين جمعهم على حب منتخبهم روح الانتماء و تشارك الألوان ، لكن درجة حبهم للمنتخب تتفاوت فبرغم أن حب المنتخب الجزائري ولد معنا جميعاً و نما في قلوبنا بتقدمنا في العمر .
حبيبتي الجزائر ، بلاد ثوار، بلد مليون و نصف مليون شهيد ! لم يحدث أبداً أن أحببت بهذا العمق ، لم يحدث أبداً أني سافرت مع امرأة لبلاد الشوق و ضربت شواطئ نهديها كالرعد الغاضب أو كالبرق فأنا في الماضي لم أعشق بل كنت أمثل دور العاشق ، لم يحدث أبدا أن أوصلني حب امرأة حتى الشنق ، لم أعرف قبلك واحدة غلبتني ، أخذت سلاحي ، هزمتني داخل مملكتي ، نزعت عن وجهي أقنعتي . لم يحدث أبدا سيدتي أن ذقت النار و ذقت الحرق كوني واثقة سيدتي أنه سيحبك ألاف غيري و ستستلمين بريد الشوق لكنك لن تجدي بعدي شخصاً يهواك بهذا الصدق ، لن تجديه أبداً غيري لا في الغرب و لا في الشرق ، أريد أن أكتب لك كلاماً لا يشبهه كلام و أخترع لغة لك وحدك أفصلها على مقاييس جسدك و مساحة حبي لك ، لم أكن يوما ملكاً و لم أنحدر من سلالات الملوك ، غير أن إحساسي أنك لي يعطيني شعوراً بأن أبسط سلطتي على القارات الخمس و أسيطر على نزوات المطر و عربات الريح و أمتلك ألاف الفدادين فوق الشمس و أحكم شعوباً لم يحكمها أحد قبلي و ألعب بكواكب المجموعة الشمسية كما يلعب طفل بأصداف البحر . غير أن مجرد إحساسي بأنك تنامين فوق جوف سدس كلؤلؤة كبيرة في جوف يدي يجعلني أتخيل بأنني قيصر من قياصرة روسيا أو أنني كسرى ابو شروان ، قضي الأمر و أصبحت حبيبتي ، قضي أمر و دخلت في طيات لحمي كالظفر الطويل ، كالزر في العروة ، كالحلق في أذن امرأة الإسبانية ، لن تستطيعي بعد اليوم أن تحتجي بأنني ملك غير ديمقراطي فأنا في شؤون الحب أصنع دساتيري و أحكم وحدي ، هل تستشير الورقة قبل أن تطلع ؟ هل يستشير الجنين أمه قبل أن ينزل ؟ كوني إذن حبيبتي و أسكتي و لا تناقشيني في شريعة حبي لك ، لأن حبي لكي شريعة أنا أكتبها و أنا أنفذها أما أنت فمهمتك أن تنامي كزهرة مارغريت بين ذارعي و تتركيني أحكم مهمتك يا حبيبتي ، أن تظلي حبيبتي حين أكون عاشقاً ، أشعر أني ملك زمان أمتلك الأرض و ما عليها و أدخل الشمس على حصاني حين أكون عاشقاً ، أجعل شاه الفرس من رعيتي و أخضع الصين لصولجاني و أنقل البحار من مكانها و لو أردت أوقف الثواني . حين أكون عاشقاً أصبح ضوءاً سائلاً لا تستطيع عين أن تراني و تصبح الأشعار في دفاتري حقول ميموزا و أقحوان ، حين أكون عاشقاً تنفجر مياه من أصابعي و ينبت العشب على لساني ، حين أكون عاشقا أغدو زماناً خارج زمان أروع في حبنا ، ذلك أنه ليس له عقل و لا منطق . أجمل ما في حبنا أنه يمشي على ماء و لا يغرق ، أكثر ما يعذبني في حبك أنني لا أستطيع أن أحبك أكثر و أكثر ، ما يضايقني في حواسي الخمس أنها بقيت خمساً لا أكثر ، أن المرأة الإستثنائية مثلك تحتاج أحاسيساً إستثنائية ، أشواقاً إستثنائية و دموعاً إستثنائية و ديانة رابعة لها تعاليمها و طقوسها و حنتها و نارها . إن امرأة إستثنائية مثلك تحتاج إلى كتب تكتب لها وحدها و حزن خاص بها وحدها و موت بملايين الغرف لتسكن فيه وحدها ، لكنني و أسفاه لا أستطيع أن أعجن الثواني على شكل خواتم أضعها في أصابعك فالسنة محكومة بشهورها و شهور محكومة بأسابيعها و الأسابيع محكومة بأيامها و أيامي بتعاقب الليل و النهار في عينيك البنفسجيتين لأني حبي لك فوق كلام قررت أن أسكت و السلام ...
حبنا لمنتخبا وراثي و عشقنا له خيالي يفوق تصور الإنسان ، و مهما كان عشقنا لبلدنا خيالاً إلا زاد مع مرور السنوات .