رأيت موتي
رجلا نحيفا
صارم الوجه كفكرة ناقصة
رث الرداء
مبتلا
يميل برأسه للأمام
يغازل الريح بمكر و خبث
...
ناديته
يا هذا
من تكون
و ما لرأسك يطفو عبثا
على ريح شرقية تفقدك مفردات الذاكرة
التفت
و حدق إلى صدري بعيني إبرة
تصدر رنة الشهيق و الزفير
إذ هي أبصرت خيطا يفقدها بكارتها
همس بصوت افتراضي
لا تتكلم
فإن الكلام يزيد من صدف بقاء المرء حيا
على مر الدقائق و الثواني
مكتئبا كان
أو تحت أنقاض المباني
لا تتكلم
فما كل شيء يقال باللسان
و دعك
من خط الأسطر و القوافي
فجل ما تكتبه رزمة خالية من المعاني
فسألته
كمستشار
يعاتب وزيرا في قاعة البرلمان
من أين لك الحكمة
يا رجلا برت جسمه نوائب الزمان
فقال
أنا الموت و كل عنيد على يدي فاني
و النوتة المنخفضة
التي تبعثر كل الألحان و الأغاني
...
فغمرت العبرات السخينة عينيه
و قال
لكن روحك أرغمتني على الهوان
و كلما نظمت بيتا أوقف به
نبضات قلبك هجاني
و كل حائط اتئكت عليه
لأنسج لك مؤامرة بالحجر رماني
...
مرضك
اكتئابك
شللك النصفي
تختلط فيه التعازي بالتهاني
و كلما أقمت صلاة جنازة على جثتك
اعتليت صومعة الأذان
...
قلت يا موتي
كان الله في المستعان
فأينما تمضي تراني
تجدني على صدر أمك رمزا للحنان
أجسد تجاعيدك
في عقارب الساعة على كل الجدران
و أتفجر كالزبد
في كل الشطآن
فيا موتي
يا رمز الجبن و الجبان
يشفيك الله من ضلالك